من يباح لهم الفطر في رمضان أربعة أقسام وهم : ( المريض ، والحائض والنفساء ، والحامل والمرضع ، والعاجز ) ، وما الذي يجب على كل قسم .وهم على النـحو التالي :
* القسم الأول : المريض ( وهو أن الذي يتضرر به ) .
" أي : أن يخاف الضرر بالصيام " مثل أن يخاف زيادة مرضه ، أو تباطؤ برؤه .
و أما ما لا أثر للصوم فيه كوجع الضرس ، وجرح في الإصبع ، والدُّمـَّلِ ونحوها ، فلا يـبيح الفطر ، لأن المبيح له العذر وهو مفقود هنا ، لأنه لا ضرر عليه في الصوم .
الثاني : المسافر الذي له القصر .
يعني : الذي سافر سفراً يباح له فيه القصر للصلاة .
وقد قدر العلماء رحمهم الله في وقتنا الحاضر مسافة القصر به ( 640متراً ، 80كيلو متراً ) .
✍ مسألة : ما الحكم الذي يترتب عليهما ؟
الجواب : الفطر لهما أفضل وعليهما القضاء ، و إن صاما أجزأهما .
تبين أن الفطر في حقهما أولى وأفضل ، وعليهما القضاء . ودليل ذلك قوله تعالى { ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيام أُخر } [1].
وقال شيخنا العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع : ( ص/352) : المريض له أحوال :
الأول : ألا يتأثر بالصوم ، مثل الزكام ← فهذا لا يـحل له أن يفطر .
الثاني : إذا كان يشـق عليه الصوم ولا يـضره← فهذا يكـره له أن يـصوم ، ويسن له أن يـفطر .
الثالث : إذا كان يشـق عليه الصوم ويضره← فالصوم عليه حرام ).
* القسم الثاني : الحائض ، والنفساء .
فذكر رحمه الله هنا صنفـين أيضاً ممن يباح لهم الفطر في رمضان وهما :
الأول : الحائض . والحيض في اللغة : السيلان .
وفي الاصطلاح : هو دم طبـيعة وجبلة يخرج من قعر الرحم في أوقات معلـومة.
الثاني : النفساء . والنفاس : هو خروج الدم بـسبـب الولادة .
وحكمه : حكم الحيض فيما يحرم ، ويجب ، ويسقط . لأنه دم حيض مجتمع احتبس لأجل الحمل .
✍ مسألة : ما الحكم الذي يترتب عليهما ؟
الجواب : تــفطران وتــقـضيان ، وإن صامتا لم يجزهما . وهذا قد أجمع عليه العلماء رحمهم الله تعالى . لقول عائشة رضي الله عنها : [ كنا نحيض على عهد رسول الله ، فنؤمربقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ] [2].تعـني في الحيض والنفاس مثله . والأمْـرُ إنما هو للنبي .
وفي الحديث الآخر أن النبي rقال [ أليس إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلـن : بلى ] [3]. والحائض والنفساء سواءٌ ، لأن الدم دم النفاس هو دم الحيض ، وحكمه حكمه .
ومتى وجد الحيض في جزء من النهار فسد صوم ذلك اليوم ، سواءٌ وجد في أوله أو في آخره .
قوله ( و إن صامتا لم يجزهما ) : لحديث عائشة السابق والأمْـرُ إنما هو للنبي r .
* القسم الثالث : الحامل والمرضع ، إذا خافتا على ولديهما .
هنا صنفان ممن يباح لهم الفطر في رمضان وهما :
الأول :الحامل .
الثاني : والمرضع.
لأن خوفها على آدمي " وهو : الجنين ، أو الرضيع " أشبه خوفهما على أنفسهما .
✍ مسألة : ما الحكم الذي يترتب عليهما ؟
الجواب : أفطرتا وقـضتا ، وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً . وإن صامتا أجزأهما
إذاً عليهما أُمور هي :
الأول : الإفـطار والقضاء . لقوله تعالى { فعدة من أيام أُخر } [4].
الثاني : الإطعام عن كل يوم مسكـين . لأنهما يطيقان الصوم فيدخلان في عموم قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكـين }[5]. وهما داخلتان في عموم الآية .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( كانت رخصة للشيخ الكبير ، والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ، ويطعما مكان كل يوم مسكيناً.والـحُـبْلَى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا ، وأطعمتا)[6]. والآية أوجبت الإطعام ولم تــتـعرض للقضاء، فأخذناه من دليل آخر.
قال شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (6/ 362) : ( القول الثالث : يلزمها القضاء فقط دون الإطعام ، وهذا أرجح الأقوال عندي ، لأن غاية ما يكـون أنهما كالمريض ، والمسافر فيلزمهما فـقط ، وأما سكـوت ابن عباس رضي الله عنهما عن القضاء فلأنه معلوم ) .
******************************
1 البقرة ( 185 ) .
2 متفق عليه .
3 رواه البخاري .
4 البقرة ( 185 ) .
5 البقرة ( 184 ) .
6 أخرجه أبو داود في سنـنه ، باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى ، من كتاب الصوم (1/541) .
* القسم الرابع : العاجز عن الصيام لكـبر أو مرض لا يرجى برؤه .
هنا صنفـان أيضاً ممن يباح لهم الفطر في رمضان وهما :
الأول : العاجز عن الصيام لكـبر .لأن الفطر إذا جاز للمريض فالعجز من باب أولى .
الثاني : العاجز عن الصيام لمرض لا يرجى برؤه .لأن الفطر إذا جاز للمريض الذي يرجى برؤه فالذي لا يرجى برؤه من باب أولى.مثاله : السرطان ، والإيـدز ، والكـلى ، وغيرها في وقـتـنا الحاضر .
✍ مسألة : ما الحكم الذي يترتب عليهما ؟
الجواب : يـطعم عن كل يوم مسكـين . لأن الله تعالى يقول{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكـين }[7]. وهذا في الكبيـر العاجز عن الصوم أنه يـطعم عن كل يوم مسكـين .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : [ نــسخت إلا في حق الشيخ الكبير والعجوز ] [8]. ولأنه صوم واجب في الأصل فجاز أن ينوب عنه المال كصوم الكـفارة .والمريض الذي لا يرجى برؤه في معنى العاجز لكـبر .
قال شيخنا العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع ( 6/351 ) : ( والخلاصة : أن من عجز عن الصوم عجزاً لا يرجى زواله وجب عليه الإطعام لكل مسكـين ، وعلى الراجح يجزئ الإطعام والتمليك ) .
✍ مسألة : من أفطر في رمضان بأي سبـب كان ، فماذا عليه ؟
الجواب : من أفطر القضاء لا غير .للأصل . والدليل قوله تعالى { فعدة من أيام أُخر }[9].
✍ مسألة : من أفطر في رمضان بـجماع ، فماذا عليه ؟
الجواب : من أفطر بــجماع في الفرج فإنه يــقضي ، ويعتق رقبة ، فإن لم يـجد فصيام شهرين متـتابعـين ، فإن لم يـستطع فإطعام سـتـين مسكيناً ، فإن لم يـجد سقطت عنه .
هذا هو الأصل أن من أفطر في رمضان بـجماع في الفرج فأنزل أو لم ينزل ، فـعليه القضاء لأنه أفسد صومه الواجب ، وعليه الكـفارة احتـراماً للزمن .
وهذه الكـفارة تكـون على الترتيب لا التـخيـير وهي :
1) عـتـق رقبة .
2) صيام شهرين متـتابعين .
3) إطعام ستـين مسكـيناً .
ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة [ أن رجلاً جاء فقال : يا رسول الله وقعت على امرأتي وأنا صائم .فقال له رسول الله : ( هل تـجد رقبة تعتـقها ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تـصوم شهرين متـتابعين ؟ قال : لا . قال : فهل تـجد إطعام ستـيـن مسكـيناً ؟ قال : لا . فسكـت النبي ، فبـينما نـحن على ذلك أُتي النبي r بـعذق فيه تـمر ، فقال : أين السائل ؟ خـذ هذا فـتصدق به . فقال الرجل : أعلى أفـقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها " يريد الحرتين " أهل بـيت أفـقر من بـيتـي . فـضحك رسول الله حـتى بـدت أنيابه ، فقال : أطـعمه أهـلك ] [10].
ولا فرق بين أن يكـون عامداً ، أو لا . لأن النبي rلم يستـفصل من السائل .
- فإن لم يـجد سقطت عنه : أي : الكـفارة ، بدليل أن الرجل لـمَّـا دفع إليه النبيr التـمر ، وأخبره بـحاجته إليه ، قال : ( أطعمه أهـلك ) ، ولم يأمره بكـفارةٍ أُخرى .
قال شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (6/416) : ( والصحيح : أن الرجل إذا كان معذوراً بجهل ، أو نسيان ، أو إكراه ، فإنه لا قضاء عليه ولا كـفارة ، وأن المرأة كـذلك إذا كانت معذورة بـجهل ، أو نسيان ، أو إكراه فليس عليها قضاء ولا كـفارة ) .
✍ مسألة : إذا جامع مرةً ثانية ولم يكـفر عن الأولى ، فماذا يلزمه ؟
الجواب : من جامع ولم يكـفر حتـى جامع ثانية فكـفارة واحدة .
يعني : وطئ ثـم وطئ ثانية قبل التكـفير عن الأول ، وهذا لا يـخلو من حالـين هما :
الأُولى : أن يكـون ذلك في يوم واحد : فعليه كـفارة واحدة بلا خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ، لأن الموجب واحد واليوم واحد ، فلا تـتكـرر الكـفارة .ولأنها عبادة تكـرر الوطء فيها قبل التكـفير فلم تـجب أكـثر من كـفارة كالحج .
الثانية : أن يكون ذلك في يومـين : فـفيه وجهان :
والصحيح أنه يلزمه كـفارتين .لأن كل يوم عبادةٌ مـنـفردة ومستـقلة ، فإذا وجـبت الكـفارة بإفساده لم تـتداخل ، كرمضانـين ، وكالـحـجين .
******************************
7 البقرة ( 184 ) .
8 أخرجه البخاري في صحـيحه .
9 البقرة ( 184 ) .
10 مـتـفـق عليه . __________________